![]() |
الكاتبة دنيا عوض |
بقلم دنيا عوض عبده
من فصول كتابي :
إن الفكاهة تعد أحد أهم أدوات الأدب الساخر ، وهي في معناها "
كل ما يثير ميل الإنسان الفطري للضحك " ، و هذا هو المعنى الأقرب والمتعارف
عليه.
وقد أشارت الدراسات الخاصة بسلوكيات الأطفال إلى أن الضحك هو صورة إيجابية بناءة للروح المعنوية، تبعث الأمل والتفاؤل في روح صاحبها.
وتوضح أناشيد المصريين القدماء وأغانيهم و رسومهم التي كانوا ينقشونها على الأحجار والجدران ، جميعها تدل على أن المصريين قد عاشوا معظم عصورهم في بهجة واستشراف (وإن كنا قد فقدنا معظم نكاتهم فإن الرسوم التي تركوها تفيض بروح الفكاهة ) ..
و من الشواهد الدالة و الحية على عمق هذه الروح الفكاهية و المؤكدة على هذه الفكرة التي تقر بأن حضارة المصريين القدماء من أوائل الحضارات التي اعتبرت الفكاهة جزء أصيل من حياتها معبرة بها عن مواقفها الاجتماعية والإنسانية كذلك النفسية ، " صورة لذئب يرعى غنم" و كأنه يتساءل في بلاغة كوميدية بكيف يكون الحال عندما يتقمص الذئب دور راعي الغنم و قد حاكتها بشكل أو بآخر قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي" الثعلب و الديك" ، وهذا هو ما نطلق عليه حديثاً بكوميديا الموقف.
وأدوات الأدب الساخر لا تقتصر فقط على الفكاهة و إنما تتعدد عناصرها متمثلة في الكوميديا و السخرية أيضاً ، فالكوميديا سواء كانت كوميديا الموقف أم كوميديا العبارة هي في الأساس نابعة من فكرة الكوميديا بشكل عام والتي كانت شكل من أشكال أدب العامة و هي عكس أدب التراجيديا الذي كان يخص النخبة أو الصفوة في عصر النهضة الأوروبي.. و هو ما نراه في أعمال الشاعر الايطالي الأعظم" دانتي آلجيري" في أيقونته الأدبية ذائعة الصيت " الكوميديا الإلهية" تلك التي جعلها حالة أدبية مفعمة بالتفاعل و التناغم، فجعلت البسيط الحالم يتفهم مراميها و معطياتها كما المثقف الآمن ..
وهنا تكمن عبقرية الأديب في القدرة على توصيل رسالته لمجتمعه بكل أطيافه و تلك أهم وظيفة من وظائف المفكر المبدع.
وقد وعى الكتاب العظام إلى ما نطلق عليه الارتياح الكوميدي و الذي هو عبارة عن فقرة من مسرحية قصة يتم فيها موقف كوميدي يعمل على استرخاء الأعصاب المشدوهة نتيجة التصاعد الدرامي فيحدث أثره من الارتياح العصبي والسكينة لدقائق معدودة لتجعل المشاهد يجدد طاقته النفسية و الذهنية ليستعيد نشاطه للتعايش من جديد مع المواقف التراجيدية المتتالية من المسرحية أو القصة.
والأمثلة متنوعة و عديدة في هذا الصدد كما مسرحيات الكاتب الانجليزي الأشهر" وليام شكسبير" ( يوليوس قيصر، روميو و جولييت، عطيل )..
وكلها تحتوي على أساس و مضمون تراجيدي متصاعد و متدفق ما بين الخروج عن النص و العودة إليه و هو ما نعني به فكرة الاغتراب و الحنين.
إن الأدب الساخر سواء كان رواية أو مسرحية أو رؤية نقدية أو حتى قصيدة أو مقالة ، فهو ملم بكل فنون العمل الأدبي الرفيع..
و إن السخرية كأحد أدوات الأدب الساخر أيضاً هى عكس الكوميديا، و إن
كان كلاهما يجلبان الضحك والمتعة ، إلا أن السخرية تجعل الضحك ممزوج بالمرارة ، و
هي تنطبق تماماً على المثل الدارج
..!
( و من شر البلية ما
يُضحك)
..... ( إشراقة نفس بتصرف )
مقالٌ جميل وبصمةٌ واضحةٌ لا تحتاج إلى مظهرات لكاتبٍه أنتظرُ أن تنالَ ما تستحقه من تقدير، ولو كان الأمر بيدي لنشرتُ مقالكِ هذا على أوسع نطاق.
ردحذف