![]() |
لعبة الغميضة |
لعبة الغميضة
أتعرفون لعبة الغميضة؟ ومَن منا لا يعرفها! كل منا له ذكريات عتيقة معها، أذكر ذات يوم كنت في السابعة من عمري تقريبًا، عاد أبي من عمله مبكرًا - أو إن صح القول - فهو عاد أخيرًا من العمل، أبي يعمل طبيبًا ولا أدري لماذا تأخر هذه الفترة الأخيرة ولما سألته قال: العمل كثير هذه الأيام، لكني لا أهتم بالسبب كثيرًا المهم أنه عاد، وهذا يكفي لنلعب لعبة الغميضة من جديد.
ها هي أختي ريما قد عادت هي الأخرى من مدرستها ولما تفاجأتْ بأبي ألقت بحقيبتها على الأرض ثم ألقت بنفسها بين ذراعيه، وأنا أعرف أن هذا السلام سيستغرق الكثير من الوقت، ففصلت بينهما وأنا أقول لها: أبي سيلعب معي الغميضة الآن، تلعبي معنا؟
قالت وهي تتوجه إلى المطبخ لا لا أنا بحاجة إلى الطعام أكثر من اللعب، ودخلت إلى المطبخ لتبحث عما يشبع جوعها.
يبدو على أبي التعب الشديد، ملابسه ليست مهندلة، شعره لم يُصفف، عيناه غلب عليهما اللون الأحمر، تخرج منه رائحة لا أستطيع تحديد مصدرها، هي مزيج من العرق ورائحة الأدوية والعقاقير والدم، نعم الدم بالطبع فإن أبي طبيب وهذا الدم شيء طبيعي، هذا ما توصلت له أنفي الصغير.
رغم ذلك لم يرفض أبي طلبي وقال: هيا بنا، مَن سيختبئ أولا؟ قلت بصوت دوى في أنحاء البيت: أنا أنا، وسمعنا صوت ريما من المطبخ تقول: انتظر أنا قادمة، سألعب معكما، لكن لا أبالي لصياحها كأنني أحاول استغلال كل ثانية تواجد فيها أبي.
أدرت وجهي نحو الجدار وبدأت في العدِّ، واحد اثنان ثلاثة... سمعت صوتًا غريبًا، كان ضجيجًا عاليًا، لم يكن غريبًا هذا الصوت فقد سمعته كثيرًا من قبل، لكنه هذه المرة أكثر رعبًا مما أسقطني على الأرض منبطحًا وسقط فوقي برواز لصورة عالقة على الجدار وحجمها الكبير نجح في حماتي من الأثار الناتجة عن هذا الصوت، لم انتبه إلى الصورة ولم تشغل بالي فقد؛ رأت عيناي منظرًا لم أشهده من قبل، شُلت حركتي كليًا، لم أستطع المقاومة ولم أستطع النهوض.
وأخيرًا بعد محاولات عدة وقفتُ ورأيت أبي وأختي، نعم رأيتهما نائمين لا يحركان ساكنًا، رأيتهما تحت الأنقاض، تعرفتُ عليهما، هذا فستان ريما أعرفه جيدًا، وهذا حذائها الجديد، وسماعه أبي الطبية، نعم هما لا غيرهما وهذا.. وهذا.. هذه كسرة الخبز التي أحضرتها ريما من المطبخ، ما زالت تمسكها ما زالت عالقة بيدها، كانت فقط تريد أن تأكل كانت جائعة وماتت جائعة.
انتبهت لصوت خلفي إذ به صوت البرواز، نعم عرفت هذه الصورة، صورة أمي قد ماتت بعد فطامي ولا أدري ما السبب وكيف ماتت، وكلما سالت لم أفهم ما يقولونه، كل ما فهمته أنها ذهبت الى مكان أفضل من هنا، ذهبت إلى مكان هادئ لا افجار فيه ولا صيحات ولا صراخ.
الآن فقط عرفت كيف ماتت وإلى أين ذهبت، ذهبت إلى ربها ولحق بها أبي وأختي، لكن لماذا تركتوني وحدي ألا تدرون أني ما زلت صغيرًا؟ ألا تدرون أني أخاف البقاء وحدي في البيت، ولكن أي بيت! السقف سقط والأساس احترق، حتى لعبتي ماتت، لا يوجد من أعيش من أجله، لا يوجد... ما هذا مفتاح البيت! سأحتفظ به يا أمي وأجاهد في سبيله حتى يفتح الله علينا ونفتح بيوتنا من جديد سأجاهد حتى يأتي نصر الله والفتح.
اقرأ أيضا: ليه بنحب نطرقع ورق الفقاعات الهوائية بتاع التغليف؟