كتبت أية أبو النجا
مفكرتش قبل كده إن ممكن حد يكون بيراقبك من خلال التليفون ؟ وكمان وأنت بتقرأ الموضوع ده دلوقتي ممكن يكون في حد بيتفرج عليك من كاميرا سيلفي التليفون.. في كلام كتير بيتقال إننا متراقبين من الأجهزة الذكية.
طبعًا كلنا بنستغرب لما نكون بنفكر في حاجة معينة وفجأة يظهر إعلانات على فيسبوك لنفس الحاجة بالظبط ! يعني مثلًا بتكون بتفكر إنك تشتري تليفون أو تطلع رحلة لمكان معين، وفجأة تلاقي إعلان عن عروض الرحلات لنفس المكان اللي كنت بتفكر فيه وكمان أسعار التليفونات !
والسؤال هنا اللي بيكون شاغل تفكيرك إن ده بيحصل إزاي ؟ هل فيسبوك عنده قدرة قراءة الأفكار عشان يعرف أنت كنت بتفكر في إيه ؟
ببساطة أحب أقولك إنك متراقب من فيسبوك وبيعرف ده عن طريق إنه بيسجل وبيسمع كل حاجة أنت بتتكلم فيها على تليفونك، يعني أكيد أنت إتكلمت مع واحد صاحبك عن أحدث التليفونات وكل حاجه أنت بتتكلم عنها وكل كلام المكالمات والشات الخاص مطلعش خاص زي ما أنت فاكر لإن بيتسجل وبيتسمع، ومش بس كده ده كمان بيتحط في أرشيف.
وكل اللي بيحصل في فيسبوك نفس اللي بيحصل في "إنستجرام وواتساب" لإن هما تبع نفس الشركة؛ ده غير كمان إن الفيسبوك بيسجل كل اللايكات والشير اللي أنت بتعمله، ومدة وقوفك قدام بوستات وفيديوهات معينة عشان من خلال ده يقدر يقترحلك برضو الحاجات اللي بتعجبك.
هبسطهالك.. بمعنى إن لو في حد من أصحابك هيساعدك في كل حاجه في حياتك وعشان يساعدك يبقى لازم يعرف عنك بتحب إيه ومبتحبش إيه، ومين القريبين منك ومين مجرد أصحاب، وبتشتغل في إيه وبتسهر ولالا وبتنام أمته و بتصحى أمته.. الخلاصة "إن لازم يعرف عنك كل حاجة."
ولو عرف عنك كل التفاصيل دى فمعنى كدا إنه بقى عرفك أكتر من نفسك، يعني خليني أقولك ده لو زعل منك في يوم شوف بقى هيعمل فيك إيه بكل المعلومات اللي عنده دي؛ ودي بالظبط المعلومات اللي بتسجلها شركة فيسبوك وإنستجرام وواتساب.
ومش بس كده ده كمان التليفون ذات نفسه وأي تطبيق موجود على التليفون لأنه بيكون في حالة إتصال مستمر مع سيرفراته الأساسية، يعني لو أنت تليفونك قدامك ومطفي فمش معنى كده إن هو مش شغال وأحب أقولك إنك غلطان ومش عارف أي حاجة لأن التليفون شغال بشكل مستمر حتى لو شاشة التليفون مطفية.
وده يخلينا نروح لسؤال مكالمة التليفون بتحصل إزاي ؟
كل جهاز تليفون بيكون فريد من نوعه بسبب حاجتين بيشكلوا ما يعرف بـ "هوية فريدة" وتقدر تقول عليها بصمة شريحة الإتصال الخاصة بيك، وبصمة الجهاز المختلفة عن أى جهاز تاني، والتليفون بيكون شغال طول الوقت ومتصل بأقرب برج إتصال، ومش بس كده لأ ده بيعرف البرج إن أنا جهاز فلان الفلاني وموجود في المنطقة الفلانية، وكمان بيعرفه الوقت اللي أنت موجود فيه وكل المعلومات دى برج الإتصال بيسجلها عنده، وكل ما بتخرج من مكان وتروح لمكان تانى بتتكرر نفس عملية التسجيل من أقرب برج إتصال.
ولما أي حد بيكون هيتصل بيك أو هيبعتلك رسالة كل اللي بيحصل إن هو بيسأل برج الإتصال اللي عنده فين مكان فلان لحد مابيوصلك عن طريق المعلومات المتسجلة في برج الإتصال التاني، وفجأة تلاقي شاشة تليفونك بتنور وتلاقي في حد بيرن أو جالك رسالة وتليفونك اشتغل، بس هو في الأساس كان شغال مش مطفي زى ما أنت معتقد؛ ودى كانت "أضعف مرحلة في المراقبة" لسه التقيل جاى قدام.
أنت متراقب من شركات التكنولوجيا
أولهم لو عملت تجربة ودخلت على "خرائط جوجل" هتلاقي التطبيق مسجل كل الأماكن اللي أنت روحتها الفترة دي، وكمان اللي كانت من سنين فاتت ومسجل دا بالتواريخ، وجوجل تعتبر واحدة من أكبر شركات تكنولوجيا المعلومات في العالم، ده غير إنها تعرف عنك اللي أنت ماتعرفوش عن نفسك، يعني تقدر تقول كدا إن ليها دور كبير في حياتك.
وفي تقارير بتوضح نسب استخدام المستخدمين للإنترنت إن كل بحث بتعمله بيكون عن طريق جوجل سواء لو من خلال الإيميل أو لو بتتفرج على فيديو من على اليوتيوب اللي هو مملوك لجوجل أصلًا ، ده غير المتصفح اللي بتستخدمة للدخول على أي موقع بيكون جوجل كروم برضو.
ولو عندك عربية فبتستخدم خرائط جوجل، ده حتى نظام تليفونك في الغالب بيكون أندرويد واللي بتنتجه شركة جوجل، وكل معلوماتك وبياناتك دي عند جوجل ولو كنت فاكر إنك لما تعمل حذف سجل البيانات فكدا بتتمسح.. هي في الحقيقة بتتمسح عندك أنت بس لكن عند جوجل بتفضل موجودة في سيرفرات الشركة اللي تقدر إن تبيعها لأي مشتري.
يعني أنت ذات نفسك ممكن ما تكونش فاكر أنت فتحت إيه أو اتفرجت على إيه من شهر أو سنة لكن جوجل فاكر كل ده ومسجله بالتفاصيل؛ ده غير كمان إن بيربط نشاطك بالموقع اللي أنت فتحتة.. يعني مثلًا لو أنت كنت قاعد في مطعم معين وعملت بحث عن "طريقة تعلم العزف " فجوجل بيسجل ده عنده.
نروح بقى لعملاق التليفونات الذكية " آبل "
في يونيو 2019 في تقرير إتعمل في جريدة "الجارديان البريطانية " وكل المعلومات اللي إتقالت كانت عن طريق مصادر سرية من داخل شركة آبل ، كشفوا إن كل أجهزة "آيفون وآبل واتش" بتسمع كل حاجة بتحصل حواليك حتى لو أنت مش بتستخدم الجهاز.
وإتقال إن لازم يكون الجهاز بيسمع طول الوقت عشان لما الشخص يحب يستخدم " سيري" ويعطيلها أوامر ترد عليه علطول أول ما يتكلم لإن دي وظيفتها؛ لحد هنا وكله تمام ، لكن هو الجهاز مش بيسمع بس ده بيسجل أي حاجة بتحصل حواليك وفي كل حتة سواء بقى في البيت أو الشارع أو الشغل أو في أي مكان أنت فيه.
وكمان شركة "أمازون وجوجل" بيعملوا كدا، وده على حسب كلام تقارير المنظمات الحقوقية في ولاية "كاليفورنيا الأمريكية " اللي صدرت عام 2017 إتقال فيها إن المساعدين الرقمين في أجهزة " أليكسا المنزلية" التابعة لشركة أمازون، وأجهزة "أندرويد" التابعة لشركة جوجل بيسمعوا ويسجلوا أي حاجة بتحصل حواليك؛ يعني إيه ؟.. يعني سلم نفسك المكان كله متراقب.
وكان في تأكيد على كل الكلام اللي إتقال من خلال الدراسة الأمريكية اللي عملتها جامعة " نورث وسترن" في عام 2020، والكلام ده كان بعد ما أثبتوا فعلًا إن الأجهزة بتسمع وتسجل حتى لو أنت مقولتش كلمة التنشيط زي " أوكيه جوجل ، و سيري ، وأليكسا."
أنت متراقب من أليكسا
ونظام " ألكيسا " الاصطانعي سريع جدًا وتم إصدارة من شركة أمازون عام 2014 وحقق نجاح كبير، وموجود في أكتر من 50 دولة ؛ ده غير إن وجوده أصبح مهم في كل البيوت الحديثة عشان بيسهل كل حاجة.
وهو عبارة عن جهاز صغير قد حجم كف الإيد وبيكون متصل بكل أجهزة بيتك وبتعطيله أوامر صوتية زى " أطلب أكل، شغل النور، وطي التكييف، شغل التليفزيون " وكل ده وأنت قاعد مكانك مرتاح، والضريبة على كل ده إن كل عمليات المراقبة والتجسس عليك بتزيد أكتر.. أومال أنت فاكر إيه ؟
طبعًا دلوقتي كل اللي هيشغل تفكيرك إن إزاي متراقب وده بيحصل وأنت ماتعرفش؟
بس المفاجأة إن كل ده حصل بموافقتك أنت.. لو تفتكر إن قبل استخدامك لأي جهاز تليفون ios أو أندرويد أو أي تطبيق بتنزله على التليفون زي تطبيق " الواتساب، فيسبوك، سناب شات " أول ما بتنزله بيطلب منك الموافقة على شروط الاستخدام "Allow" ، ودي بتعتبر زي عقد مابينكم، وفي أي تطبيق أنت بتنزله بتوافق وبتضغط "Allow" علطول من غير ما تقرأ حتى أى حاجه من الشروط، وهنا بقا أقولك "مبروك أنت بقيت متراقب" ؛ ده غير كمان إن في شروط التطبيقات دي بتطلب الدخول "للكاميرا والصور وأرقام الإتصال الخاصة بيك والميكرفون " وبرضو أنت بتوافق من غير ما تحس.
وحتى لو أنت عارف وماوفقتش على الشروط فمش هتعرف تستخدم خدمات التطبيقات دي اللي أنت أصلًا محتاجها؛ دى تعتبر معادلة تعرف بـ ( عشان تستفيد لازم توافق وتتنازل عن تفاصيل حياتك الشخصية ).
تبرير شركات تكنولوجيا المعلومات
والسبب المعلن من كل شركات تكنولوجيا المعلومات إن هما بيستغلوا البيانات دى عشان يعرفوا يعملوا ما يعرف بـ "تجربة استخدام حسب إهتمامك " بمعنى إن هما بيعملوا فلترة لكل حاجة ومش بيظهرلك غير الحاجة اللي أنت هتحبها زي مثلًا لو بصيت عندك على الفيسبوك هتلاقي الفيديوهات والبوستات أغلبها حاجات أنت بتحبها ومهتم بيها، وده لإن أنت عملت شير أو لايك لحاجات شبها قبل كدا.
أو مثلًا لو بتعمل بحث عن كافيه أو محل هدوم قريب منك هيطلعلك في الاقتراحات كافيهات ومحلات شبه أماكن أنت روحتها فعلًا قبل كده وعجبتك.. يعني الملخص إنهم قلبهم عليك وبيوفروا الوقت اللي هتضيعه وتدور فيه على الحاجة اللي أنت عاوزها.
بس هل بالطريقة دي أنت كدا حر في اختياراتك ولا دا ما يعرف بـ " وهم الاختيارات" ، وده بالظبط الفرق ما بين إن حد يجبرك على اختيار هو عاوزه بطريقة ديكتاتورية، وبين حد يخليك تختار اللي هو عاوزة برضو بس بمزاجك أنت.. يعني إيه.؟
يعني هما بيخلوك تفضل تلف وتدور لحد ما تدوب جوا دايرة مقفولة أنت بدأتها لكن هما اللي بيكملوها، لحد ماتتخيل إنك اللي بتختار بس في الحقيقة هما اللي بيختاروا ويحددوا وأنت مش واخد بالك.
هدف الشركات من إنك تكون متراقب
إن كل اللي فات ده مكنش السبب الحقيقي من هدف الشركات في تجميع البيانات عنك، وفي هدفين لكونك متراقب طول الوقت "الهدف الأول" هو عشان فلوس الإعلانات ودا بيحصل من خلال إنها بتعرف من بياناتك الموجودة عندهم أنت عاوز إيه وهتشتري المنتج دا ولا لأ ، ده غير كمان إنها بتحسب أفضلية ظهور الإعلان على يوتيوب أو فيسبوك أو إنستجرام على حسب بيانات المستخدم وده عشان يحقق أكبر عائد مادى للمعلنين ؛ يعني لو أنت بتستخدم فيسبوك كتير هتلاقي الإعلان ظهرلك عليه، على عكس واحد صاحبك بيستخدم إنستجرام كتير هتلاقي الإعلان رايحله على هناك.
إنما " الهدف التانى " وهو إنهم عشان يقدروا "يحكموا السيطرة عليك " ، زي اللي حصل في 2018 من شركة "Cambridge Analytica" ودي شركة بريطانية بتشتغل في مجال الاستشارات السياسية، وإتقال إن الشركة دى عرفت تحصل عن طريق شركة فيسبوك على معلومات عن 90 مليون شخص واستغلت المعلومات دي في التحليل النفسي ليهم عشان تقدر تستهدف من خلال حملتها الدعائية الشخص المطلوب استهدافه.
بمعنى إن ده زي شخص عارف كل حاجة عنك فعارف أنت عاوز تسمع إيه وبيسمعهولك، وهو بالظبط اللي الشركة دي عملته من خلال الأخبار والإعلانات، والكلام ده حقق نجاح كبير جدًا والدليل على كدا إن أبرز الحملات اللي نجحت تمت عن طريق الاستعانة بالشركة دي؛ زى حملة " دونالد ترامب" في أمريكا، وحملة "خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي في 2016 "، وكان السلاح السري لنجاح الحملتين دول هو كل البيانات اللي مع الشركة.
وده يوصلنا لنقطة مهمة إن المعلومة يعني السيطرة.. وإننا بقينا عايشين في عصر "البيج داتا."
وطول ما أنت شايل لاب توب أو تليفون أو لابس سمارت واتش فـ دا معناه إنك متراقب وفي سجل متحرك بكل حاجة أنت بتعملها وموجود جوا سيرفرات أبدية، ولو في معلومة عنك مش مهمة دلوقتي فهي أكيد هتبقى مهمة بعدين.
هتقولي إن واحد زيك في سن العشرينات الشركات دي هيهمهم يعرفوا عن شخص تافه المعلومات دي ليه أو كان بيعمل إيه وهيسيبوا الشخصيات المهمة ؟ هقولك الإجابة إن مش ممكن في سن الـ 30 تبقى رئيس شركة من أكبر الشركات في العالم ، أو تكون شخصية مشهورة جدًا ! وساعتها بياناتك ألف مين ومين هيكون عاوز يشتريها.
عصر البيج داتا
وعشان كده بيتم دراسة معلوماتك في عصر "البيج داتا" من الصغير قبل الكبير عن طريق نظام إلكتروني معقد، وده عشان يتم معرفة تكوين نمط متكرر لكل تصرفاتك و تبقى سهل التوقع، وبيتم استخدام الأنماط دي في المراقبة والسيطرة عليك.
وطلع مش زى ما أنت متخيل إنك بتاخد القرار الأحسن من اللي اتعرض عليك ومش واخد بالك إن اللي مكنش معروض ده هو في الأساس اللي هما عاوزينك تختاره.
وهنا جه في بالي مقولة " بنجامين فرانكلين" لما قال ( أي مجتمع مستعد للتخلي عن جزء من حريته في مقابل الأمان.. فهو لا يستحق أيهما وبالتأكيد سيخسر كليهما ).
وفي النهاية من أكتر من خمسين سنة كاتب الخيال العلمي " فيليب ديك" قال : إن هيجي اليوم اللي هتكون فيه مشكلة البشر مش في مين بيتجسس عليهم من خلال التليفون، والمشكلة هتكون إن التليفون ذات نفسه هو اللي هيتجسس على البشر.