بقلم ندا محمود
بطلة قصتنا هي امرأة شهد التاريخ على عظمتها، ونزل الوحي ليبرئها ويُخرس كل من ظن أنه يمكن أن يتحدث عنها بسوء ويخوض في عرضها ، ألّا يعلم أنها زوجة حبيب الله (ص) ؛ وأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها.
هي الطاهرة العفيفة النقية التقية خيرة نساء الأرض ومن نساء الجنة يتمنى المؤمنات لو يفوزون بصحبتها في جنة الفردوس الأعلى.. فاللهم صحبتها حقاً.
كيف وقعت حادثة الإفك
تبدأ قصتنا حين كانت حبيبتنا رضي الله عنها مع حبيبها رسول الله (ص) في إحدى غزواته ؛ فكانت من عادته (ص) حين كان يذهب لغزوة يقرع قرعة ويختار إحدى زوجاته لترافقه في غزوته ، وكانت القرعة هذه المرة من نصيب عائشة ، وكانت ضعيفة البدن وصغيرة في السن.
وكانت تسير القافلة أحياناً وتستريح الأخرى، وأثناء استراحة القافلة ذهبت رضي الله عنها لمكانٍ بعيد لقضاء حاجتها ؛ وحين عادت إلى القافلة اكتشفت أن عقدها انقطع ووقع منها فبحثت في الهودج فلم تجده فرجعت مرة أخرى لمكان حاجاتها ، ولم ينتبه لها أحد أنها ذهبت مرة أخرى بعد عودتها، وعندما حُمل الهودج لم يشعروا بأنها ليست فيه وذلك لأنها خفيفة.
وغادرت القافلة ونسوا السيدة عائشة ، ووجدت رضي الله عنها عقدها وعادت إلى مكان القافلة ولكنها لم تجدها ، فأخذت تسأل أين رسول الله (ص)؟ ، أين هودجي؟ ، أين الناس؟ ؛ تركوها وحيدة فنادت بصوت عالي لعل أحدهم يسمعها ولكن لم يسمعها أحد، ومن فطنتها رضي الله عنها أنها جلست في مكانها.
حيث كانت القافلة لعل يعود أحدهم فيعيدها لقافلتها، ولكنها نامت فإذا فجأة استيقظت على صوت أحد الصحابة فإذا هو يصدر صوتاً عالياً ” لا إله إلّا الله، ويذكر الله لتسمعه وتستيقظ، وتقول رضي الله عنها سمعته فقامت.
وكان ذلك الصحابي هو صُفْوَانْ بن الْمُعَطِلْ رضي الله عنه وكانت عادته أنه يمشي وراء القافلة أو الجيش ، لربما يجد شيئاً فيلتقطه أو تفقد القافلة شيئاً فيأخذه، أو ربنا يضيع أحد فيدله.
وعندما وصل لموضع القافلة وجد ظل سواد ،وذلك لأن عائشة رضى الله عنها كانت ترتدى زيها الذي يغطيها من رأسها حتى قدمها فلا يظهر منها شيئاً فعرف أنها أم المؤمنين رضي الله عنها.
وتقول عرفني ؛ تقول والله ما كلمني وأن لن أسمع غير استرجاعه ” إنا لله وإنا إليه راجعون“ ، فقدم لها الراحلة حتى تركب وقد استبشرت حينها فقد وجدها أحد.
مُحدث حادثة الإفك
وتقول كان يقود الراحلة بسرعة حتى وصل إلى الجيش ، وكان في ذلك الوقت يستريح الصحابة وقت الظهر ، حتى رأوا فجأة من بعيد ظل رجل وراه دأبة عليها امرأة وظل الناس يتسألون من هذه المرأة؟ علموا أنها عائشة وتعجبوا كيف نسيناها!
وكانوا يستعجبون كيف ناسوها؟ حتى ظهر الثعبان الخفي من بينهم واستغل الموقف وطعن نبي الله (ص) في عرضه الشريف ؛ وهذا المنافق الخبيث هو بن أبي بن سلُول، إذا يقول كَلِمَتْهُ المَشْؤُمَة” وَالله مَا سَلِمْ مِنْهَا وَمَا سَلِمَتْ مِنْهُ“ ..قبح الله لسانه وماقال، وقد صدقه المنافقون مثله وأخذوا ينشرون الحديث بين الصحابة والمؤمنين.
وأصبح الكلام عن حادثة الإفك ينتشر بين الناس فكان يصدقه ضعفاء الإيمان، ولكن أغلب الصحابة ردوا هذا الأمر ونكروه وأحسنوا الظن بأم المؤمنين ؛ أما رسول الله صل الله عليه وسلم لم يسأل عن ما حدث حتى لا يؤذي أم المؤمنين في مشاعرها ، ولكن الناس لا عمل لهم سوى الحديث.
عادت القافلة للمدينة وتقول مرضت وظللت في سريري شهر مريضة من تعب السفر وكان نبي الله (ص) يدخل كعادته ليطمئن عني ؛ ولكن تقول يريبني دخوله فكان من عادته يداعبني ويتحدث معي ولكنه ظل هذا الشهر يدخل يسألني عن حالي ويخرج ولا أدري ما السبب.
” معرفة السيدة عائشة بحادثة الإفك“
وبعد شهر من مرضها خرجت مع عدد من الصحابيات لمكان بعيد يقضون حاجاتهم فلم تكن الكنوف موجودة بعد ، وأثناء سيرهم تعثرت إحدى الصحابيات تدعا أم مسطح الله.
فقالت تعس مسطح فردت السيدة عائشة عليها قائلة بئس ماقد قلتي أتسبين رجل شهد بدراً. يالها من جميلة القلب وحسنة الخلق ، ولكن أم مسطح قالت لها أو لم تسمعي ماقال ، فسألتها عائشة ما قال؟
فأخبرتها بما يقول أهل الإفك فتقول عائشة والله لازددت مرض فوق مرضي، شهر والناس يغضون في عرضي، شهر ورسول الله حزين ولا أعلم ما به (ص).
تقول فذهبت إلى بيتي حتى دخل رسول الله ليطمئن عني فقد قلت أتأذن أن آت أبوي وتقول وأنا أريد أن أتيقن الخبر فأذن لي رسول الله (ص).
”أهل المرء هم قوته في الشدائد“
فذهبت رضي الله عنها لبيت أبيها وسألت أمها عن ما سمعت فقالت يا ابنتي هوني على نفسك ، فوالله ماقد كانت امرأة يحبها رجل ولها الضرائر إلا وقد كثرن عليها؛ فقلت فقد تحدث الناس حقاً قالت فقمت بالبكاء في هذة الليلة حتى أصبح لا يرقأ الدمع لي ولم أكتحل بالنوم.
أما رسول الله (ص) فعلم أن السيدة عائشة علمت عن حادثة الإفك، فنادى أسامة بن زيد وعلى بن أبي طالب ماذا أفعل؟
” موقف الصحابة من حادثة الإفك“
دفع أسامة عن عائشة رضي الله عنهم وقال يارسول الله أهلك بريئون وأنت تحبهم وهم يحبونك، أما علي رضي الله عنه أشار عليه أن يسأل جاريتها بريرة ، فدائماً مايكون سر المرأة مع جاريتها، فذهب رسول الله (ص) وسألها: هل رأيتي شيء قد يريبك من عائشة؟ ، فقالت فقط شيء واحد، وماهو؟ قالت أنها تنام عن العجين حتى تأتي الدواجن فتأكله.
يا لله كم أنها نقية وبريئة ليس بها عيب سوى أنها تنام عن العجين وهذا لصغر سنها رضي الله عنها ليتنا نحظى بحظها من النقاء والتقى.
ذهب رسول الله (ص) وخطب في الناس يسألهم من يعذررجل أذاه في أهل بيته وما علم (ص) عن أهل بيته إلّا كل خير؛ فوقف سعد وقال أعذرك يا رسول الله كما قال إن كان هو من الأوس سأقتله وإن قد كان من إخوان الخزرج فأمرنا وسنفعل ما تأمرنا به.
ولكن وقف سعد بن عبادة وقال كيف تقتله وهو فينا؟ ، فقام أسيد بن حضير وقال نقتله ونقتلك أتدافع عن منافق، ثم قام الأخر والأخر حتي كادوا يقتتلوا ورسول الله فيهم فأسكتهم (ص) وخرج وكل هذا الهم ولم ينزل الوحي بعد.
وتقول ظللت أبكي يومان ولم أذق النوم ليلة حتى ظن أبويها أن البكاء فالق كبدها؛ وتقول وهي هكذا استأذنت عليها امرأة من الأنصار وقد أذنت لها وقامت بالدخول وعندما جلست بدأت في البكاء معي وظللنا هكذا حتى دخل رسول الله (ص) وهو الذي لم يدخل عليها منذ شهر.
” نزل الوحي يبرىء أم المؤمنين “
فتقول جلس وتشهد ثم قال أما بعد فقد بلغني عنك كذا يا عائشة فإن كنتي بريئة سيقوم الله ببرئتك ؛ وإنك كنتِ ألممتِ بسبب ذنب فاستغفري ربنا وتوبي يغفر لك ، فما أذنب عبد واعترف بذنبه ثم استغفر وتاب إلّا وغفر الله له.
تقول فلما أكمل رسول الله (ص) حديثه توقف دمعي حتى صرت لا أشعر به وقلت يا أبي أجب رسول الله ، فقال لا أدري ماذا أقول لرسول الله فقلت يا أمي أجبي رسول الله فقالت لا أدري ماذا أقول لرسول الله.
فَقُلْتُ لَهُم عَلِمْتُ أنكم سمعتم ذلك الحَدِيثُ وحتي استقر بأنفسكم وقد صدقتم وقلت إليكم إِنني بريئة والله عليم ما صدقتموني؛ و لإن اعترفت بأمر و الله يعلم أني بريئة منه وصدقني ولا أجد مثلا إلا حديث ”فصبر جميلاً والله المستعان “ وهو لأبو يوسف.
تقول وقد نسيت اسم نبي الله يعقوب من حزني ثم تحولت و اتضجعت على فراشي وأخذت أبكي، حتى لم يخرج أحد من المنزل إلّا وقد رأيت على رسول الله علامات نزول الوحي؛ تقول كنت أعلم أن الله مبرئني ولكن لم أظن أنه سيُنَزل وحي فيني ظننت أنه سبحانه ييجعل نبيه يرى براءتي في رؤية فقط.
ولكن هذا هو الله عطاء مدهش ولا يُظلم عنده أحد فبرئها عزوجل بآيات تُتلى على الأمم حتى الأن وذلك لشأنها عند الله عزوجل ، تقول فلما سرى عن رسول الله (ص) أي عاد جبريل إلى السماء بعد أن أملىء على رسول الله الوحي سرى وهو يضحك وأول كلمة قالها يا عائشة فأن الله برأك؛ فقالت أمي قمي إلى رسول الله (ص) فقلت لا والله لن أقوم ولن أحمد إلّا لله عزوجل وحده.
فأنزل الله كلامه عن حادثة الإفك
وَحِكْمةُ الله مِنْ حادثة الإفك لا يَعْلَمْهَا سِواه سُبْحَانُه وتَعَالَى، إلا إنها حادثة كشفت الكثير؛ فقد أوقعت المنافقين وما تخفيهم صدورهم من غل وحقد، والمؤمن القوي الذي وهب نفسه لله ورسوله.