ثورة يوليو النجاحات و الإخفاقات /
لاشك أن الاحتكاريين و أصحاب المصالح فضلاً عن مظالم اجتماعية و سياسية كبرى و حلقات من الفساد المر وغيرها الكثير هي من عجلت بوقوع الانفجار المجتمعي و الذي جسده حريق القاهرة البشع يناير ١٩٥٢ و الذي لم يكن سوى غضب عارم على ما وصلت إليه الأوضاع العامة في مصر و جرس إنذار قوي للقائمين على شئون النظام و مع ذلك لم ينتبه أصحاب المصالح ، شركاء السلطة الحاكمة لمغزى و معنى حريق القاهرة كما لم يفطنوا في السابق لمغزى و معنى دعوى " التهذيب " للأوضاع العامة التي حاول بنائها طلعت حرب.
و من طبائع الأمور بعد كل هذا الفشل و كل هذا الفساد و انقطاع الرؤية و انعدام إدارة البلاد بعد أن وصلت حالة الفقر و العوز للغالبية العظمى من الشعب و الذي كان في غالبه لا يملك حتى حذاء يقيه من الحفاء ، هذه الأوضاع المزرية للغالبية العظمى من الشعب كان يقابلها قلة قليلة لا تتعدى مئتي أسرة و على رأسها الأسرة المالكة كانت تمتلك ثروات البلاد وممارسة القهر و الهيمنة و المذلة على العباد و التي لم تكن سوى تجسيداً لطبقية مفزعة قسمت البلاد إلى طبقة صغيرة و محدودة تملك و تحتكر كل شيء و أخرى كبيرة و غالبية لا تملك أي شيء..
و من الطبيعي أن تكون النتيجة الحتمية لمثل هذه الأوضاع السائدة ، أن يقع الانفجار وأن ينتفض الشعب و تقوم الثورة على كل تلك المظالم و هو ما حدث بالفعل حيث قامت طليعة من أبناء القوات المسلحة لتقوم نيابة عن هذا الشعب بثورة لتغيير كل هذا الواقع المر و كل هذه الحياة البائسة غير الآدمية التي عاشها الشعب المصري عقود طويلة من الزمان.
ولم يكن غريباً أن تتبنى هذه الطليعة من جيش مصر العظيم مبادئ و أهداف معالم المأساة المصرية التي امتدت لحقب طويلة و مريرة ، ففي مقابل سيطرة رأس المال على الحكم ، دعت لقيام حياة اجتماعية و سياسية و اقتصادية سليمة ، عادلة و منصفة ، و في مقابل سيطرة الأجنبي المحتل و أعوانه على البلاد ، دعت إلى القضاء على الاستعمار و أعوانه ، و في مقابل الاقطاعيات التي كانت تملك الأرض و الزرع و النسل من خلال عدد محدود من العائلات ، قامت الثورة و وزعت أجزاء هامة من هذه الاقطاعيات على عدد كبير من الفلاحين المعدمين و أسرهم و بذلك فقد وضعت تلك الثورة الوليدة - في خلال شهر من قيامها إصدار " قانون الإصلاح الزراعي"– قدمها في أولى خطوات بناء الطبقة الوسطى الحديثة في مصر من الفقراء و المعدمين.
و التي سيكون لها شأن عظيم كقاطرة نقلت الحياة المصرية نحو آفاق رحبة ، أذهلت المتابعين و جنت جنون الحاقدين المتربصين ، و لعل من نتاج هذه الطبقة الوليدة تلك الجيوش الهادرة من خريجي الجامعات والمعاهد العليا التي تلقت تعليمها المجاني و صحتها المجانية و عملها في ظل تكافؤ الفرص بين الجميع، حتى وصل معدل البطالة إلى صفر و هي أيضاً التي حملت على كاهلها ليس فقط تطوير مصر و بناء بنيانها القوي المتين ، بل انطلقت هذه الجيوش من الأطباء و المهندسين و العلماء و الباحثين و المعلمين و غيرهم إلى بلدان العالم العربي ليحدثوا و لينقلوا هذا العالم العربي من بيئته الراكدة الخاملة إلى مصاف دول لها مكانتها و كينونتها العالمية..
في الحلقة القادمة/
كيف بُنيت الطبقة الوسطى رغم كل محاولات المستعمر و أعوانه… للقضاء عليها.
دنيا عوض عبده