كتب محمد بدوي
سألني ذات مرة رجل عجوز.. عندما كنت جالسًا في مقعد يوجد في الحديقة، بين الأشجار والأزهار والأرض الخضراء، ثم جلس بجواري عندما وجدني احبس دموعي وشعر بأني أريد البكاء، لكن شعوره صحيح فأنا أريد البكاء، ظللت ثابتًا.
ألا وهو السؤال "لماذا لا تبكي يا ولدي" أجبته" لا أريد البكاء فأنا قوي والأقوياء لا يبكون يا جدي"، ابتسم العجوز على حديثي بهسترية شديدة، تعجبت منه كثيرًا ودارت الأفكار في عقلي لماذا يضحك على حديثي هل حديثي غير منطقي؟!، فهذا ما علمه لي والدي ذات يوم.
أطرق العجوز وكأنه قرأ ما يدور بعقلي.. لا تتسائل كثيرًا عن ضحكتي وعن نصائح والدك فهي صحيحة، لكن أنت لم تفهم ما يريد أن يوصله لك والدك، كان يريد أن يصنع منك رجلًا شديد المقام محارب مغوار، عندما قال والدك "الأقوياء لا يبكون" يقصد بأنهم لا يظهرون ضعفاء أمام أحد، دع الدموع تخرج دع البكاء يعلو في السماء، لكن بمفردك، ابكي يا ولدي وأنت بين يد الله فهذا خشوع، سترتاح نفسيًا وجسديًا وعقليًا، وكأنك حييت من جديد ستعلو بك نبضات الخوف إلى المدارك، البكاء يفرز كل الطاقة السلبية لديك، وسيترك الطاقة الإيجابية بداخلك، لقد بكى محمد رسول الله "صلى الله عليه وسلم" شوقًا لرؤيتنا، لماذا تعجبت من كلامي؟!.. نعم النبي بكى من أجلنا.
وأنت تقول الأقوياء لا يبكون، أعلم أن عقلك كان صغيرًا عند سماع هذه الجملة، لكن كنت أعلم أن عقلك سيكبر وستعلم معنى هذه الوصايا، لن تكون أقوى شخص إذا سجنت البكاء بداخلك، اصرخ وابكي، ودع الدموع تملئ مكانك مثل الأنهار عند الفيضان،اجلس ذات مرة بمفردك في غرفتك وابكى ستجدد نفسيتك من جديد.
تفكير شارد
كنت جالسًا افكر في حديثه، وأسأل نفسي من هذا العجوز ولماذا يجلس معي وينصحني؟، سأقوم من جواره لكي يذهب فأنا لا احتاج إليه، وسابكي بمفردي ولأنه ليس يؤثر علي، لكن سآخذ بحديثه؛ لأني أريد البكاء فعلًا، سابكي فأنا بشر ومكتوب علي أن ابكي، وتنزل الدموع من عيني تحلق في الفضاء ساقطة على الأرض سابكي وسابكي ألمًا وحزنًا ووجعًا، لن يمنعنِ أحد ساكون مثل الفيضان الذي لا يقف أمامه أحد ومن يقف أمامه يقتل ثم يقتل، هل هذا العجوز ليس إنساناً!، بل ملاك من السماء، لكن لا يظهر عليه أنه إنسان أو ملاك أو حتى جان، لقد قلقت وزدات نبرات خوفي منه، لماذا أجلس حتى الآن سأذهب لقد سئمت منه ومن حديثه ومن ألفاظه.
العجوز
أطرق العجوز، لا تذهب يا ولدي ولا تسئم من حديثي وأنا لست ما تعتقده، فأنا إنسان مثلك ولا تقلق مني ولا تخاف، وأنا ساتركك تبكي والدموع تخرج منك، لا تقسو على نفسك لمجرد أفكار باهظة ليس لها طائل، لن أتحدث ثانيةً معك لكن اعلم أنك تحتاج إلى البكاء ستبكي بكاء حين أذهب ستجلس بمفردك تبكي.
وستفكر بالماضي وستربطه بالحاضر ثم بالمستقبل ثم تتعب فتبكي ثم تتعب وتقف دموعك عن النزول فتسير فترى بخطواتك أنها مربوطة فتقف، حينها سترى ستة من النجوم على شكل حرف موسيقي يتبعك حين تذهب في أي مكان، ستظل لا تعرف لماذا يتبعك أو تراه ولن يراه غيرك، فابكي فالبكاء غيث والغيث جميل، والدموع أسيل والغيث دموع.
أغمضت عيني وصمت وتحدثت بصوت عالي، قائلًا كيف تعلم عني كل هذا من أنت اخبرني يا عجوز؟!، لماذا لا ترد علي كيف علمت بامر النجوم ولا أحد غيري يراها ولم أتحدث عنها ذي قبل، لماذا سكت تكلم سأقتل نفسي بسبب ما تدعيه، هل أنت عقلي أم قلبي أم ضميري أم ماذا، أعطني إجابة بسرعة قبل خوض معركة معك وأنت عجوز ضعيف القوى.
ثم فتح عينيه، ولم يجد العجوز يتلفت حوله في كل مكان بحثًا عنه لا يجده أين هو وأين اختفى ولماذا ذهب دون إخباري، تشتت أفكاري، فبكيت بكاءًا لم ابكي مثله في حياتي، كانت النجوم تحلق فوقي على شكل حرف موسيقي كأنها حفلة تقام من أجل دموعي سكتت النجوم وتكلمت الحروف، الآن ترمز النجوم إلى كل ليلة تمضي من عمري وأنا ابكي بمفردي.
كتبت قصتي مع العجوز وأنا لم أجد من يجاوبني على أسئلتي، أو أتلقى منهم كلمة ذات رونق، أو يقرأ أحد قصتي سابكي الآن في هذه الساعة فإنها الثانية ليلًا.