![]() |
العالم العربي .. قوة عربية راكدة .. متى ستتحول إلى قوة عربية راكضة و رائدة ..؟ كل الظروف مهيأة لذلك. |
المعيار الأخلاقي هو الفيصل /
ليس صحيحاً بالمرة أن الحرب الروسية الأوكرانية هي التي ستغير العالم ، فالعالم قبل ذلك بكثير وصل إلى حالة من الصدام ربما و التقاتل ربما حتى و إن كان كل ذلك صامتاً غير محسوس ، فسنة الخلق تقتضي صعوداً لأمم و سقوطاً لأخرى و المعيار الأخلاقي هو الفيصل و ليس أي شيء آخر ، و ما يحدث الآن في العالم من تغيرات و صراعات محسوسة و غير محسوسة مرجعه إلى أمرين ، الأمر الأول توحش القوى الغربية و إصرارها على أن تبقى قوى غاشمة مبتزة مسيطرة ناهبة لحقوق الشعوب ، رغم كل هذا التحول الدراماتيكي غير المسبوق في الثقافة الإنسانية و التواصل غير المعهود بين الشعوب و الأمم و طرح هذه القضايا على الملأ ..
لقد بلغت الفطام /
فتشبعت الشعوب بفكرة أن هذا الغرب الاستعماري الجشع لابد و أن ينتهي و يزول ، هذه الفكرة سيطرت على أكبر الأمم في العصر الحديث ، كالأمة الصينية و الأمة الهندية و الأمة العربية و كثيراً من الشعوب في القارات الخمس( فقد بلغت كلها الفطام ) ، ففكرة الابتزاز و فكرة العنصرية و الاستعداد الدائم للاعتداء على الشعوب الآمنة و فكرة التسلط لنهب مقدرات الأمم و الشعوب إلى الغرب ، هي فكرة أصبحت مستهجنة و مرفوضة من أغلب شعوب الأرض.
اكذب حتى أراك /
و بالتالي فالمقدمات كانت متوفرة .. مقدمات التغيير الذي يجب أن يحدث في العالم بين القوى الفاعلة فيه و بين الأمم و الشعوب التي أصبحت الآن ترى الظلم البين و ترى الابتزاز الواضح من هذه القوى الاستعمارية التقليدية، رأت الشعوب أن هذه القوى الاستعمارية تقدم بضاعة فاسدة ، فهي تتحدث عن حقوق الإنسان في ذات الوقت الذي تعمل فيه على ابتزاز كل حقوق الأمم و الشعوب و الأنظمة حول العالم بهذا الشعار ( أليس الاعتداء على حقوق الأمم و سيادتها على أرضها و مقدراتها .. أليس ذلك أكبر جرائم العصر التي ارتكبتها القوى الغربية في عقود مضت و عقود قائمة و عقود في رحم الغيب.
الحريات و حقوق الإنسان على الطريقة الأوروبية /
هكذا ترى الشعوب هذا الغرب و قواه المتحفزة دائماً للنيل من حرية شعوب الأرض تحت شعارات الحرية و حقوق الإنسان ، فأصبحت هذه الشعارات فارغة من أي مضمون .. بل أصبحت حالة من التندر و السخرية على هذا الموروث الكذوب ، فكل حروب العالم و كل اعتداء على أرض ما .. كانت تسبقه شعارات الديموقراطية و الحرية و حقوق الإنسان و هو حقٌ أراد به الغرب الاستعماري كل باطل .. فمن يدعو و من يتبنى فكرة حقوق الإنسان أولى به ألا يعتدي على الإنسانية ..!
حروب الإبادة من وجهة النظر الأمريكي /
نحن إزاء بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية قامت – على مدى قرن من الزمان – بأكثر من مائة حرب ، أبادت فيها عشرات الملايين من البشر ، ثم تأتي لتحدثك عن سجين أو عن أحد الناس مهدرة حقوقه في بلده.. هذا سخف ! و هذه بضاعة فاسدة انتبه إليها العالم و أصبحت لا تنطلي على الشعوب ، هي تجد في ذلك وسيلة و ذريعة للتدخل في شؤون الأمم ، الآن الأمم بدأت تتجه للتدخل في شؤون هذه البلدان و بدأت فكرة أنهم ينقضون شؤوننا و يتدخلون فيها ، فلماذا نحن لا نتدخل في شؤونهم.
القربان الأوكراني ليس هو الحل /
و هكذا جاءت الحرب الروسية في أوكرانيا و التي في حقيقتها اندفاع أمريكي غربي لالتهام روسيا بنقل أسلحة حلف الناتو و صواريخه على حدود العاصمة الروسية مباشرة عبر استخدام الرئيس الأوكراني زلينسكي الذي قدم شعبه قرباناً للغرب الاستعماري فوقعت حسابات هذا الغرب في مأزق كبير أمام شعوبه فعصفت الحرب التي أرادوها باقتصاداتهم و رفاهية شعوبهم و هكذا ما أرادوه لروسيا شربوه و تجرعوه من نفس كأس الذل و المهانة التي لطالما أذاقوه لأغلب شعوب الأرض ، هذه الحرب و هذا الصراع أرادت من ورائه القوى الاستعمارية التقليدية أن تنفرد بالعالم و أن تُسقط القوى التي من الممكن أن توقفها و تناطحها و هي القوى الاستراتيجية النووية الروسية لأن هذا الغرب الاستعماري لا يعرف و لا يعترف إلا بالقوة.
مصر و مسؤولياتها التاريخية /
أما الأمر الثاني هو ما أدركته الشعوب من أن قوتها هي الضمان و الحماية لها و هذا ربما أعظم درس للبشرية قبل عملية تشكيل عالم جديد بعيداً عن قوى الهيمنة الغربية و هو أمل جديد تحلم به شعوب الأرض منذ زمن بعيد ، و قد انتهت لعبة الغرب في احتكار الأسلحة المحرمة دولياً و تكديسها له و لمن يكون في خدمته مثل ( الكيان الصهيوني) ،فقد أمدوه بكل أسباب القوى و حتى القوة النووية في مواجهة العالم العربي الذي منعوا عنه الأسلحة الحديثة و ضربوا عليه حصاراً لمنعه من امتلاك هذه الأسلحة ، و قد كسرت مصر هذا الاحتكار و نوعت ترساناتها العسكرية من مختلف بلدان العالم و هو ما يعد استفاقة كبرى للعالم العربي من وهم و زيف و تسلط القوى الغربية عليه.
و قد نتج عن ذلك موقف عربي شبه موحد ،فقد بدت تحركات عربية و تجمعات ذات قيمة في هذه اللحظات التي يمر بها العالم ، فنجد تكتل مصري مع بلدان الخليج العربي ، محوراً آخر مصر و الأردن و العراق و من المصلحة العليا أن تنضم سوريا و لبنان أيضاً كذلك محور الغرب أو شمال أفريقيا العربي .. هذا المحور أيضاً يجب الانتباه إليه لأن به قوى فاعلة مثل الجزائر و بلد زاهر ناهض مثل تونس و بلد يتحسس طريقه الآن و هو بلد هام جداً بثرواته و مقدراته و اتساع أرضه مثل ليبيا ، أيضاً بلد كالسودان الذي يعيش نفس المشكلة في تحسس نهضته وتحسس وجوده ، و هنا يتعاظم دور مصر و مسؤولياتها التاريخية في لملمة الأوضاع العربية و انتشال الأمة من الضياع.
و مع ذلك فما زالت ألاعيب القوى الإجرامية و سيناريوهاتها يكشف كل يوم عن تآمر جديد ، و استهداف إجرامي في أكثر من موقع في العالم العربي خصوصاً في بلدان عربية كالسودان وليبيا و سوريا و تونس و لبنان و كذلك زرع الفتنة بين الجزائر و المغرب .. كلها توضح أصابع الغرباء تتلاعب في مصائر الأمة.
العالم يتغير /
لاشك العالم يتغير ، العالم الآن فوق صفيح ساخن و هو في طريقه إلى التغيير ستختفي القوى الاستعمارية التقليدية أو على أقل تقدير سيتراجع دورها بشدة و سينتبه العالم العربي و لن يرضى أن يرتمي في أحضان أي قوة حتى تعلن هذه القوة عن حقوقه و عن دوره و عن مكانته و هذا الشرط لن يتحقق إلا بالوحدة العربية الجامعة و هذه فرصة عظيمة و لحظة تاريخية فارقة إذا ما نجح العرب في بناء تحالف دولي يرعى حقوقهم و مصالحهم ، و لذا فمن الضروري أن يجتمع العالم العربي كله على دور واحد و أن يكون له ذاتية في شكل قوة عسكرية موحدة وسط هذا العالم الذي لا يخشى إلا القوة ..
و هذا ما طرحته مصر في السابق و أنا أعتقد أنه قد آن الأوان لتنفيذ هذه القوة العربية الموحدة ، فالإمكانيات العربية المادية و التصنيع العسكري المشترك ممكن أن يؤتي ثماره و أن يعمل نوعاً من الاستقلالية للعالم العربي ، فكل هذه النقاط على القادة العرب أن يجتمعوا و أن يوحدوا صفوفهم و على الشعوب العربية الآن أن تعي هذه المسؤولية و أن تضغط باتجاه أن يتوحد العرب من جديد و أن تستوطن الصناعات العربية العسكرية و أن تستوطن فكرة الاكتفاء الذاتي في كل شيء ، في السلع و غيرها.
هذه الرؤية التي يجب أن نلتف حولها هي متغير ضروري و أساسي لصالح أمة العرب كما هو أيضاً مطروح على أمة كبيرة كالأمة الهندية أو كقوة اقتصادية كبيرة كالأمة الصينية و أيضاً الدور الفاعل و القوي الذي أحدث الصراع الروسي الأوكراني و هو في حقيقة الأمر صراع الغرب كله من خلف أوكرانيا لوأد و إسقاط القوى الروسية حتى يستفردوا بالعالم ، الآن على الجميع أن يقف و ينتبه ليعلم ماهية المتغيرات التي ستحدث في المستقبل القريب..
إنه الأمل الباقي الذي لا بديل عنه ..