![]() |
صائد الوحوش |
كتب محمد بدوي
صائد الوحوش - يجلس بعض الصيادين في حلقة يتناقشون بالحوار العالي والطغيان ويتلاقون بعض الضربات من بعضهم البعض، يتناولون كاسات بها عصير ممزوج بالكحول، يجلس القبطان صامتًا يحدق بهم وبأصواتهم العالية، وفجأة نهض القبطان وطرق بقبضة يديه على الطاولة.
أطرق قائلًا.. لقد طفح الكيل اصمتوا يا حسالة البحر، ليجلس كل منكم وإلا سأقتلع رأسه من جسده مثل ما أفعل مع الوحوش.
جلس الجميع بهدوء تام، لكن منهم من يضرب الأخر دون أن يرى القبطان، ثم هدأ المجلس وينظر القبطان إلى كل شخص منهم فينفزع كل واحد عند رؤية نظرة القبطان فيرجع بظهره إلى الوراء، ثم بدأ يتحدث القبطان بعد صمت طال لفترة ليست بكثيرة.
أطرق قائلاً.. لقد ظللنا كثيرًا من الأعوام نبحث عن هذا الوحش البحري، ثلاثون عامًا نبحث عنه ولم نجده كيف يعقل هذا لقد قتلنا واصطادنا الكثير من الوحوش التي كانت أقوى وأشرس بكثير من هذا الوحش الضخم، إنه عملاق لكن عندما أجده سألتهم أحشائه، لن أدعه يهرب مني هذه المرة فلقد نفذ صبري.
صائد الوحوش : لم أنسى طار عيني
أيها الصيادون لم أنسى هذا المشهد الذي حدث بيني وبينه من ثلاثون عام، عندما كنا نبحر بالسفن في البحار بحثًا عن الأسماك، كانت حين إذن قريتنا تَتدور جوعًا من قلة الطعام.
لقد أبحرنا ليالي نجمع الأسماك في السفن، وفي ليلة غامضة عند إنجازنا الهائل في جمع قدر كبير من الطعام، متأخذين وجهتنا ذاهبين إلى منازلنا، فرحين وفي غاية السرور والبهجة نتناول كاسات الفرح.
ثم هجم هذا الوحش اللعين على سفينة من السفن الخاصة بنا ودمرها ومات الصيادون الذين كانوا بها فور انهيار مقام السفينة، ونجى من نجى من السفينة وتدمر هيكل السفينة ذاتيًا وغرقت بأمواتها وطعامها في البحر فكان مكتوب لهذه الأسماك أن ترجع إلى البحر مرة أخرى، ثم اختفى الوحش لفترة كبيرة من الوقت.
عندها لم نتحرك بالسفن ووقفنا برهة في البحر نبحث عن هذا الوحش لكي نرى شكله ونعرف من أي فصيلة فلقد قضينا على جميع الوحوش التي كانت في البحار كيف جاء هذا الوحش ومتى خلق وكيف غاب عن أنظارنا، هل كنا في غفلة أم ماذا، لقد أمرت في هذا الوقت بأن تتحرك السفن حاملة الطعام ومعها سفينة حربية لكي تحميها وبقيت أنا والأسطول نبحث عن هذا الوحش وفور أن وجدناه وبدأنا نتلقى هجمات منه على السفن بين الحين والأخر ونحن نتصدى له بكامل قوتنا.
كنت أمضي بسفينتي خلفه عندما إضطر أن يرحل دون أن يفعل معنا شيء فأبحرت خلفه دون تفكير، عندها اختفى كليًا ثم خرج من البحر يعلوا بضخامته في السماء لقد ملأ السفينة بالمياه، لقد ظهر أمامي حينها فوقفت أحدق بعيني التي كان يملئها الغضب والشراسة وأمسكت برمح يتدفق به السموم، وكورات نارية تخرج من المدافع، حينها لم يؤثر هذا السم الذي اخترعه العالم "نورس" للقضاء على الوحوش.
صائد الوحوش : اختلاف الوحش
امتلكني الذهول والعجب كيف لم يؤثر هذا السم به، هل يعقل أنه وحش يختلف عن باقي الوحوش التي واجهناها، لكن أثار الرمح غضب الوحش فأطلق من فمه أشواك شبيهة بأشواك القنفذ نحوي، فأصابتني في عيني اليسرى ظللت ثابتًا أمامه كوني بحار شجاع، فأطلق مرة أخرى أشواك لكن كانت نارية فاحترق هيكل السفينة وغرقت وذهب الوحش حين ذاك ونجوت بعيني الواحدة أنا والبقية ممن عاشوا وأتت سفينة أنقذتنا.
ورجعنا إلى قريتنا ولم نرد إخبار أهل القرية بهذا الخبر المأساوي الذي من الممكن أن يدمر الثبوت والاستقرار بداخلهم وسوف يلجئون إلى القرى الأخرى للعيش بها ومضت أعوام وأعوام إلى أن قمنا بإنشاء سور ضخم البنيان عالي بين السحاب وبوابة قوية عملاقة لا تفتح إلا لعبور السفن فقط، مع تعزيز ميناء السفن وحماية الأسطول الجزيرة.
ويدور حول سور الجزيرة كل ليلة نهاراً وليلاً سفن حربية ومناورات بحرية عملاقة تجول البحر بأكمله، أما اليوم فقد طفح الكيل من الاختباء من هذا الوحش سأجول البحار والمحيطات بل العالم بأكمله بحثًا على هذا الوحش وسأقضي عليه، ألا يعرف حين لعب لعبته أنه يلعب مع صائد الوحوش وليس سفاح الأسماك لقد اعتدنا عدوتنا وجهزنا أسطولنا للبحث عنه، ولقد بحث العالم نورس في كتبه وفي العالم عن هذا الوحش لم يجد له هوية إنه مجهول الهوية لكن لديه نقطة ضعف في جسده اللعين سنكتشفها ونقضي عليه.
صائد الوحوش : خروج الأسطول
هيا يا صائد الوحوش سنرجع للماضي لبعض الوقت وسنجدد مهاراتنا التي كنا نقتل بها الوحوش، بدأ الهتاف يعلوا ويرفرفون بأيديهم في السماء مرحًا ولعبًا ولهواً، خرج الصيادون من مقر الاجتماع، اجتمع القبطان بأهل القرية يقفون ويهتفون باسمه عاليًا، يقف القبطان في أعلى مكان يوجد بالقرية، أمام أهل القرية تمثال عملاق للقبطان.
أطرق القبطان قائلًا.. لقد جمعتكم اليوم لأني سأخرج أنا بالأسطول نتجول في البحار، لأن جاءتنا أنباء من القرى المجاورة لنا أنه يوجد وحش يجول في البلاد ويدمر القرى ويقتل أهلها.
عندما أطرق بهذا الحديث نظر له العالم نورس متعجبًا لما يقوله يفكر في عقلة قائلًا.. لماذا لا يخبرهم عن الحقيقة وماذا ينوي أن يفعل نظر له القبطان أعطى له إشارة طمأنينة أي سأخبرك بكل شيء لاحقاً.
أكمل القبطان حديثه وبعد الانتهاء بدأ الهتاف يعلوا مرة أخرى والفرق الموسقية تعلوا بأصوات الموسيقى عاليًا، والأبواق تنطلق ليعرف الجميع أن الأسطول سيرحل من أجل حماية القرية وعندما يسمع من لديه بوق، بوق ينطلق، يطلق الآخر والآخر إلى أن تدور أصوات الأبواق داخل القرية يهلهلون ويمرحون ويطلقون حنانهم إلى الجيش والأمنيات والدعوات.
ثم فتح باب الجزيرة وخرج الأسطول بالسفن تخرج سفينة تلو الأخرى، يقف القبطان في أعلى وأضخم سفينة والأقوى بين السفن الأخرى يلوح بيديه لأهل القرية، خرج الأسطول من القرية ولأول مرة يخرج من ثلاثون عامًا يبحر في البحر، يجلس القبطان مع العالم يتحدثون.
العالم نورس: هل يعقل ما قلته أثناء خطابك لم يكن عليك ألا تقول إلا الحقيقة ماذا ستفعل لو لم نقضِ على الوحش وقتلنا جميعًا وتوجه الوحش إلى القرية أخبرني، كنت معتقدًا أنك أذكى بكثير.
صائد الوحوش : هوية الوحوش
القبطان بتفكير شارد: تمهل يا نورس لا تتسرع كل شيء سيسير على ما يرام لكن اسمعني، سنبحث عنه في أعماق البحار وسنجده حتمًا، لم أجلس كل هذه الأعوام مكتوف اليدين لقد وجدت كتابًا به هوية هذا الوحش، وقد اكتشفت أنه وحش مسالم لا ينوي على فعل شيء عندما هاجمني من أعوام ماضية كان يبحث عن ولده الذي تاه منه، لقد رأيته بعيني عندما أسقطنا بالمياه يحتضن وحش صغير للغاية، لا تتعجب سيساعدنا كثيرًا هذا، سوف تتفاجئ عند سماع هذا الخبر.
هذا الوحش كانت سلالته تخضع لجزيرتنا، أجدادنا كانت ترعى هذه السلالة إلى أن انقرضت جميعًا عندما انفجر البركان وحدثت الزلازل، مات الكل وبقى هذا الوحش وهرب بعيدًا إلى أعماق لا نعرف أين هي، لكن سآتي به ولن أرجع إلا به، سأعطيك الكتاب تقرأه وستجد عصى شوكية مرسومة في أواخر الكتاب هذه العصى ورائها الكثير والكثير سوف تنفعنا كثيرًا وهي موجودة معنا على متن هذه السفينة.
صائد الوحوش : ليالي عابسة
مضت ليالي وأيام بحثًا عن الوحش يبحثون عليه لمدة ثلاثة أشهر جالسين في البحر وأوشكت ماعونة الطعام على الانتهاء منهم، يلجئون لصيد الأسماك فلا شيء يقف أمام صائدين الوحوش.
توتر الجميع كأنهم يبحثون عن لا شيء موجود له أو سيبقى على قيد الحياة طول هذه الأعوام، فتجمع الجميع في مجلس على رأسهم القبطان يتناقشون هل سنذهب أم سنبقى كثيرًا في البحر نبحث عن شيء متأكدين أننا لن نجده.
ثم أطرق القبطان قائلًا.. من يريد أن يرحل سيذهب إلى القرية يحميها، وسيكون نورس هو من يدير شئون القرية ومن يبقى معي سنبحث لمدة شهر أخر على الوحش، ثم نرجع إلى منازلنا لكن كيف نعود الأن لأهلنا، ماذا سنقول لهم لقد يأسنا ونفذ صبرنا لن نقدر على حمايتكم من الآن وصاعدًا، لكي يسكن الخوف بداخلهم وينامون كل ليلة خوفًا على أنفسهم من هذا الوحش، ولقد قولتها وسأقولها مرة أخرى من يريد البقاء معي يرفع يديه ومن يود الرجوع سأتركه، لكن سيكون نورس هو القبطان عند غيابي.
تزمجر كل من كان يريد الرجوع ومنهم من طغى وقال كيف يكون هذا العالم قبطان علينا، سأجلس معك هذا الشهر، والأخرين الذين وافقوا أن يرحلوا ويكون نورس قبطان عليهم ذهبوا إلى منازلهم، وبقى من بقى وعلم القبطان من سيخونه ذات يوم ومن سيطعنه في ظهره ومن سيلقي به في المئارب، وجلس القبطان يبحث عن الوحش ومضى خمسة وعشرون يومًا من الشهر واستعد الأسطول إلى الذهاب بعد أن فشلت محاولتهم في البحث عنه.
صائد الوحوش : لقاء مع الوحوش
يبحر الأسطول متخذ وجهته من طريق أخر أقرب من الطريق الذي أتو منه بين التلال العملاقة، السيول، الأمطار الغزيرة، الرعد الشديد، البرق المرعب والأمواج العالية، وفوق كل هذا يبحرون في سلام يصف براعة هؤلاء البحارة صيادين الوحوش.
إلا أن حدثت هزة كبيرة وصوت عالي صرخ بقوة وشيء ما يلعب تحت السفن يرفع بها وينزل بها مرة أخرى، يسير بسرعة ودون أن يراه الصيادين أو أن يلمحوه ولو ثانيه، يظهر ويختفي في لمح البصر، طرق القبطان عاليًا.. إنه الوحش لقد وجدناه يا بحارة أطلقوا الشباك والنيران أوقفوا هذا الوحش سنقتلع أحشائه الآن سنهزمه أشر الهزيمة.
كان يأتي الوحش بسلام ويخرج لكي يبعدهم عن مسكنه لكن عنادهم كان يلقي بهم إلى التهلكة في كل مرة، فيغضب منهم الوحش فخرج لهم مرة أخرى لكن هذه المرة كان أكبر وأضخم، واختلف شكله من ذي قبل لقد كبر الوحش لقد تعدى طوله أبراجًا عالية، وضخامته تحتل مكانًا بمقياس آلاف الأمتار فبدأ يدمر السفن ويطلق أشواك ونيران عليهم، وهم في هرع وخوف ولا تنفعهم أسلحتهم ومدافعهم وقواهم وضخامة أجسامهم.
إلى أن سار القبطان بسرعة أسفل السفينة في غرفة ليست بكبيرة وفتح بابها، وأخرج منه صندوق ثم فتح الصندوق بسرعة واخذ منه عصى شوكية ماسكًا بها في يديه وذهب إلى فوق واقفًا ثابتًا على متن السفينة، كان الوحش سيقلب جميع السفن رأسًا على عقب.
إلى أن الرفع القبطان العصى في وجه الوحش فركع له الوحش وأخفض أجنحته أمام القبطان، يا لروعة هذا المشهد، وخرجت وحوش كثيرة من البحر راكعة للقبطان، أطرق القبطان بصوت عالي قائلًا.. لقد عادت سلالة وحوش القرية، مرة أخرى تحت عهدنا وهتف الجميع خلفه.
صائد الوحوش : خضوع الوحوش
فصعد القبطان فوق رأس الوحش الذي افقده عينه وفي يديه العصى، واقفًا على رأس الوحش كأنه الحاكم عليهم، لكنه القبطان وصائد الوحوش، وعند وصولهم إلى القرية ورأى حراس القرية الذين يقفون فوق السور، هذا الكم من الوحوش فانطلقت أبواق الحذر فانفزع نورس من مكانه واقفًا ينظر في العدسة انذهل جدًا عند رؤية القبطان واقفًا على رأس الوحش، يطلق قرارته قائلًا.. افتحوا الأبواب وأطلقوا أبواق الأمان لقد خضعت الوحوش تحت سيطرة القبطان، عاد القبطان ومعه البشارة السارة لقد فعلها قبطاننا الشجاع.
عاشت أهل القرية على الجزيرة في أمن وسلام خاضعة لهم الوحوش تحميهم وتساعدهم في الصيد والحرب والعب واللهو؛ فإنها وحوش مرحة وهم شعب مرح، لقد أبحرت بسفينتي في البحار بحثًا عن حق وطني واستقراره.