بقلم / دنيا عوض عبده
و ترى فوق النهر " فوق وشاحه الأخضر هوروس ، ترى الصقر يحلق و يهبط و يقف ليحلق ثانية و ليفق و يرن ندائه عالياً من خلال السماء الزرقاء ، و هو لا يدري أ فيعبر بهذا الأسلوب عن الحب أم عن الجوع أم عن الفرح .. يأتيه جواب بنواح الساقية الذي قد يدور دولابها حول محور خشبي ليعطي للأرض الحياة .. ( إميل لودفييج)
الجنة الخضراء /
شهدت مصر في السنوات القليلة الماضية ثورة واسعة المدى في تحويل صحرائها الصفراء إلى ما يشبه الجنة الخضراء ، و قد استطاعت هذه الثورة العارمة التي تحاول مضاعفة مساحة مصر الزراعية لغزو الصحراء و الانتصار عليها و كأنها تعيد إلى التاريخ دورته البكر حينما كانت مصر و ساحلها سلة غذاء للإمبراطورية الرومانية ..
طفرة إنتاجية /
و في هذه اللحظات و بينما تعاني كثيراً من دول العالم معاناة شديدة في منتجاتها الزراعية ، نجد أن مصر محققة اكتفاءاً ذاتياً في أكثر منتجاتها الزراعية بل أكثر من ذلك نجحت مصر في السنوات القليلة السالفة أن تتفوق على كثير من بلدان العالم في تصدير منتجات زراعية أصبحت تمثل قوة حقيقية للاقتصاد المصري..
السر في الصوبة /
و من نافلة القول التأكيد على أن مصر بنت ثورتها الخضراء على أسس علمية و اقتصادية أتت ُأكلها ، فمن ناحية تقدمت بكل عنفوان لتطوع الصحراء لثورتها و في هذا بنت فيما يشبه المعجزة مائة ألف صوبة زراعية على أحدث الطرز و يمكن القول أن إنتاج هذه الصوب يعادل إنتاج مليون فدان زراعي ، هذه الصوب تتيح منتجاتها في السوق المحلي فعدلت من حركة السوق و ضبطت إيقاعه و أوقفت تغول بعض المنتجين على المواطن البسيط ..
مصر تتعايش بثقة و هدوء /
كان للسبق في بناء هذه الصوبات الزراعية المهولة ، الأمر الذي أدى إلى تفوق مصر في تصدير كميات معتبرة من المنتجات عالية القيمة و الجودة و هو ما أدى إلى رفع قيمة هذه المنتجات كماً و كيفاً مما سهل عملية تصديرها إلى خارج البلاد ، والذي جعل مصر ، ربما وحدها ، تتعايش بكل هدوء و ثقة مع الأوضاع الدولية المتقلبة و خاصة بعد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية و التي نالت من اقتصاديات العالم على أوجه كثيرة أهمها أزمات الغذاء التي ضربت معظم بلدان العالم ، فبعد جائحة كورونا جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتكمل الحلقة حول رقاب شعوب الأرض .. تلك الحرب التي ضربت معظم بلدان العالم غنيها و فقيرها على حد السواء … في حين أن المواطن المصري لم يشعر بمثل ما شعر به الآخرون من توافر السلع بشكل ممتاز ..
الثورة الخضراء في سالف الزمان../
ثورة مصر الخضراء تعيد إلى الأذهان ثورة مصر الخضراء في سالف الزمان و تعد ثورة مصر في العصور القديمة نموذجاً ما زال يبهرنا و يؤكد عظمة السبق عند المصريين قديمهم و حديثهم حيث قامت أكبر ثورة زراعية قضت فيها مصر على الإقطاع الزراعي الذي كان يسيطر على الأرض قبل ثلاثة آلاف عام ، استطاعت مصر وقتها أن تنهض و ُتعيد توازنها .. و تنطلق لتحكم الشرق ..
و لعل ما نشاهده الآن من أن المنتجات المصرية التي تغزو أسواق العالم في شكل جعل الحاقدون على هذا البلد يزيدون من ضغوطهم و أعمالهم الإجرامية الفاضحة و المستترة على حد السواء ..
الطريق إلى القضاء على فجوة القمح /
مصر تستهلك ما بين ٢٠ إلى ٢١ مليون طن من القمح سنوياً و تنتج منها ما يقارب ١٠ ملايين طن و تسعى مصر بثورتها الخضراء المباركة لأن تسد الفجوة من خلال استصلاح ما يقارب من ثلاثة ملايين فدان جديدة تضاف إلى الرقعة الزراعية و هو أمر و عمل يشبه المعجزة و غير مسبوق و هو يؤكد أن مصر لديها مشروعها القومي و خططها الطموحة التي تعي و تتفهم كل ما يعانيه الاقتصاد المصري عامة و الزراعة في مصر بشكل خاص ..
ثورة مصر الزراعية لم تكن فقط في استصلاح هذا الكم الهائل كما في دلتا مصر ، هناك محاولة حثيثة وقوية لإنشاء دلتا موازية.
النهر الجديد /
وقد مضت مصر في طريقها و برنامجها الطموح و حققت بالفعل خطوات جادة وفعالة في هذا المجال حيث أنشأت نهر موازي لنهر النيل في قلب الصحراء عبر مواسير ضخمة تضخ المياه إلي نهر بطول ٩٠ كيلو متر هذا الإنجاز الرهيب الذي من المقدر أن يكتمل بنهاية هذا العام سوف يضع مصر على أعتاب نهضة زراعية حقيقية ….
نحو ثورة في الإنتاج الحيواني /
صاحب هذا أيضاً ثورة في مجال الإنتاج الحيواني فهناك خطوات جادة لسد هذه الفجوة في المنتجات الحيوانية من لحوم وألبان وغيرها وهذه خطوات مدروسة بعناية ويبدو ذلك واضحاً من خلال توزيع هذه المشروعات جغرافياً بحيث تشمل كافة أقاليم الدولة حيث تنشأ هذه المزارع الخاصة بالإنتاج الحيواني بعد أن نجحت مصر في الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الداجني والسمكي ، و بهذا يكون الضلع الثالث من الغذاء البروتيني للشعب المصري وهي اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان قد وجد طريقه نحو بداية الاكتفاء الذاتي..
الانفجار السكاني ../
و رغم كل هذه النجاحات في بناء و هياكل الثورة الخضراء فإنه يجب الإشارة إلى أمر غاية في الأهمية و الخطورة و أعني به الانفجار السكاني الذي يلتهم جزءًا كبيرًا من عمليات التنمية الواسعة في كافة المجالات و خاصة فيما أسميه ثورة مصر الخضراء ، فالزيادة السكانية غير المبررة تضع كل عمليات التنمية تحت ضغط كبير .. و هي معضلة حادة تواجه صانع القرار و المجتمع على حد السواء..
الأعناب و الأسماك والتمور ../
و رغم هذا الانفجار السكاني فإننا نحقق معدلات سريعة في إنشاء وإقامة وتعظيم مفردات الثروة الحيوانية لتواكب الثورة الخضراء ، ومن الضروري التأكيد على أن مصر تبلي بلاءاً حسناً في تصدير منتجاتها الزراعية المميزة حيث أصبحت علي رأس العديد من دول العالم في إنتاج الحمضيات والبرتقال على وجه الخصوص أيضاً أصبحت تصدر كميات معتبرة من الفواكه المختلفة كما الأعناب والتي تلقي رواجاً قوياً في دول الاتحاد الأوروبي وكذلك محصول الفراولة الذي يحقق نجاحات كبيرة يضاف إلي ذلك أن مصر أصبحت تصدر أنواع وكميات كبيرة ومختلفة من الأسماك والتمور ..
التوازن الضروري ../
يبقى فقط لكي تكتمل تلك النهضة ولكي تخرج في أبهى صورها أن يحدث توازن هام وضروري ولا مفر منه ما بين دخل المواطن وبين متطلبات حياته هذا أمر حيوي يعود بالفائدة العظمى على أمان المجتمع من ناحية و العملية الإنتاجية من ناحية أخرى .. و هو ما أرى ضرورة العمل على إحداث مثل هذا التوازن و هذا يتطلب من وجهة نظري ضرورة الانتباه من الدولة المصرية بكل حواسها و أن تقوم بفعل حقيقي على الأرض لكي ترفع العبء القوي عن كاهل المواطن المصري وأن تعيد له بكل الوسائل التوازن ما بين دخله وأعباء معيشته وهو أمر أكرر ( غاية في الأهمية) ، و حتى يشعر المواطن بحصاد الثورة الخضراء ، فذلك يعد من متطلبات الأمن القومي المصري التي لا يجب إغفالها تحت أي ظرف أو حجة ..
نعم العالم يمر بأزمات اقتصادية غير مسبوقة نتيجة لأفاعيل قوى الشر والجريمة والتي وضعت البشرية في هذه الأثناء أمام مأزق خطير يهدد الوجود الإنساني من الأساس ..
لقاء السحاب بين الماضي والحاضر ../
علي كل الأحوال فإن مصر وبرنامجها الزراعي الطموح تسعي لأن تكون محوراً أساسياً من محاور الإنتاج الزراعي وخاصة في الخضروات والفواكه وغيرها من الحبوب لتعيد الي الأذهان أنها قادرة على إعادة الحياة لمجدها الغابر حينما كان البطالمة يرسلون الغذاء بكل تنوعه من حبوب وفواكه وخضراوات من مصر إلى روما ليقرر " إميل لودفييج حقيقة حاول المغرضون والحاقدون علي الحضارة المصرية تغييبها و هي أن الاسكندرية وليست روما كانت عاصمة العالم في القرون الثلاثة الأخيرة قبل الميلاد ..
مصر تعمل على لقاء حاضرها الطموح مع ماضيها العظيم .. إنه لقاء السحاب ..