بقلم دنيا عوض عبده
ظل العالم الجغرافي والمفكر الاقتصادي والسياسي العظيم على رؤاه الفلسفية والفكرية التي تتميز بقوتها و وضوحها عن غيرها في الكثير من القضايا التي شغلت و لا تزال ترهق و تؤرق على المهتمين بها خوالج أنفسهم و تعد عبئاً لا يركن عن كواهلهم..
و كالعادة يقدم لنا د. جمال حمدان في قضية الوحدة رؤية فلسفية جديدة و عميقة، يضعنا فيها أمام جوهر وجودنا و مستقبل أجيالنا و هي ( الوحدة السياسية) ، فالوحدة السياسية لديه لا تأتي بالضرورة من الوحدة الطبيعية أو الإقليمية، و إنما بالتأكيد تأتي من وحدة البشر، فالأساس لقيام وحدة حقيقية يتم عن طريق وحدة الناس أي وحدة القومية، فنحن في وطننا العربي تجمعنا لغة واحدة مشتركة، و تاريخ عريق و عقيدة ومصالح موحدة، و كل هذه الأركان و المقومات تتوافر في القومية العربية، التي قد لا تتوافر في غيرها من القوميات..
و من جديد يضعنا د. جمال حمدان أمام قضية أخرى هامة و جوهرية، فهو يرى أنه لا تعارض بين الوطنية و القومية، فالوطنية هي الطريق نحو تحقيق القومية، كذلك لا وطنية منعزلة دون وجود القومية الموحدة، و أي خلل يحدث في هذا الشأن من المؤكد ستتعالى فيه النعرات المحلية و الانفصالية.. و هو ما وقع بالفعل من تغول الطائفية، سواء أكانت في لبنان أو سوريا أو العراق أو غيرها من البلدان العربية التي تعاني من الطائفية والمذهبية .. و التي كانت بمثابة المنفذ الأخطر على الوحدة الوطنية ذاتها قبل الوحدة القومية..
وقد خلص د. حمدان إلى سبيل تحقيق وحدتنا العربية و هو لابد و أن نتذكر دائماً جغرافيتنا و تاريخنا على حد السواء لا يطغى الحديث أو التفكير في موضوع أحدهم عن الآخر، و قد ضرب لنا د.حمدان أمثلة لدول كثيراً ما تذكرت تاريخها ونسيت جغرافيتها، و هو ما أفضى إلى تعثر وحدتها، و خير مثال على ذلك دول غرب أوروبا..
ودول أخرى تذكرت جغرافيتها و أولت لها الاهتمام أكثر من اللازم فنست بذلك و بغير قصد منها تاريخها .. و مثال ذلك دولة كندا..
و أرى و على نفس درب د. جمال حمدان أن القاعدة الشاذة للوحدة في العالم تتجلى بوضوح في النموذج الأمريكي، فقد نجحت الوحدة الأمريكية رغم عدم وجود تاريخ مشترك فيما بين البشر عندما تجاهلت و بقصد منها ليس فقط التاريخ و إنما أيضاً الجغرافيا..!
وأجد من هذه التجارب الإنسانية جميعها أن سبيل وحدة العالم العربي بها ما يجمعها أكثر بكثير مما يفرقها ، و منها ما يفصح عنه الواقع الحالي ، و بها ما ينبؤ بالمستقبل الباسم ، فالتاريخ المشترك و اللغة الواحدة و العقيدة الموحدة و القضايا العربية الملحة التي تحتاج منا الوحدة الآن و غداً .. لهي عوامل جبرية و قوية و أصيلة تجعل الوحدة العربية قائمة في الوجدان العربي، قبل تجسيدها على أرض الواقع، و إذا أضيف لكل ذلك الجغرافيا المتصلة المتشابهة التي لا توقفها موانع أو حواجز لأضحت وحدة العرب حقيقة قائمة و مجسدة بالتاريخ و الجغرافيا، حتى و إن أنكرها الناكرون.
فعوامل الزمان ( التاريخ ) .. و حقائق المكان ( الجغرافيا) كلها تنتصر للوحدة العربية و تؤكدها ..
من إشراقة نفس.. بتصرف
إلى اللقاء في الحلقة التالية..